الصحف والمجلات والوسائل الاعلامية العراقية فضاء فارغ في التعبير عن صنع الهوية الوطنية لدى المواطن . يا ترى ما السبب؟ لاشك ان كل تلك الوسائل تعبِّر عن وجهة نظر اصحابها او المتبني لسياستها للترويج عن شخصية أو حزب ما. ذاك مسؤول يعرض انجازاته وانجازات حزبه ويعارض الاخر من اجل كسب أصوت اتباعه في الانتخابات القادمة . والانتخابات أصبحت امنية يتمناها كل وطني على ان تكون انتخابات بشرطها وشروطها , ولكن في كل اربع سنوات تخرج عن اطارها المألوف لتتحول من ديمقراطية الى تجمعات حزبية ثم تشكل حكومة أطراف متنافسة فيما بينها من اجل الحصول على الكرسي ومنصب سيادي . ومن المؤكد إن اي حكومة تنصب بهذا الشكل المفروض على الشعب لا تمثله بأي حال من الاحوال , وكذلك البرلمان الصوري الذي لم يتقدم بخطوة واحدة لخدمة مصالح الشعب . ولعل هذا السبب الاول الذي ينأى عن ترسيخ دعائم حب الوطن لدى المواطن العراقي , فمنذ البداية عملت على تقديم التنازلات وهدر حقوق المواطن من اجل نزوات ورغبات الاحزاب . وان هؤلاء الثلة الذين قلبوا البلاد رأساً على عقب مجموعة تدعي انها تمثل اطياف المجتمع سواء الاطياف الطائفية او العلمانية او المكونات الاخرى . وكل منهم يقدم لنا في وسائل الاعلام ثقافته السياسية الخالية من الافكار الوطنية الاصيلة ويدعي ان لديه وجهة نظر يحاول ان يفرضها على الاخرين ليرسخ في الاذهان بانه او حزبه هم الاقوى في الساحة السياسية . انها الدكتاتورية بعينها وبيان الخضوع والاستسلام الى الاستعمار المحتل والمسير ضمن اهدافه وبرامجه التي تدمر البلاد والعباد . وان الصورة تتمثل لنا كما في عهد (الملوكية) ، الملك وحكومته اداة وآلية متحركة يحركها الاستعمار كيفما يشاء . وهنا البرلمان والحكومة ينحصر وجودهم باطار واحد ، هو الصراع من اجل المنصب والهيمنة على السلطة لغرض المنافع الشخصية والحزبية . وبهذه الحالة ماذا ننتظر من الوسائل الاعلامية ! هل ستقدم لنا دعائم الوطنية في ظل غياب حقوق المواطن ؟ هل ان سترسخ حب الوطن في قلوب وعقول ابنائه ؟ هل تستطيع ان تبني البنى التحتية في داخل الانسان العراقي وقادة المؤسسة الاعلامية هم أداة مَنْ يدمِّر المواطن ؟ لماذا لا نرى اي قناة فضائية او صحيفة او مجلة او اذاعة تتناول ما يدعم بناء الانسان اقتصادياً ؟ فأين المطالبة بالبطاقة التموينية التي اجتثتها الحكومة العراقية وضيعت مفرداتها حتى تبقى منها مادة الرز العفن وتأخّر توزيع مادة الطحين لعدة شهور .هذا ان لم يقطعوها بشكل نهائي ؟ واين المطالبة بتوفير العلاجات الطبية الى المواطنين الذين يعيشون في ظل سوء الاحوال الصحية ؟ واليوم لا نقول على الوسائل الاعلامية ان تطالب بحصة المواطن من النفط لأنه اصبح ارثاً لمن يجلس على الكرسي سواء في البرلمان أم الحكومة . اما اهداف الصحف والمجلات والقنوات الفضائية المستقلة فهي في اتجاهات متعددة تصب نحو المعارضة والدفاع العنصري عن فئة معينة من المجتمع او تتناول اخفاقات خصومها ثقافيا وسياسيا وما شابه من المسائل التحريضية التي تثير الكراهية والتنافس غير الشريف حتى تكون عاملا اساسيا في سفك انهار من دماء الابرياء . وبهذه الحالة يحق لنا القول بان الوسائل الاعلامية العراقية تفتقد لروح الوطنية . وإن جميع هذه الوسائل في البلاد تخدم الذين يتربصون في العراق , بل هم جزء من تنفيذ برنامج تدمير الوطن من حيث لا يعلمون . لقد عاصرنا النظام البعثي المجرم الذي همش واقصى وعذب وقتل وروع وفعل ما فعل من جرائم طيلة خمسة وثلاثين عاما . واليوم نواكب حكومات تتمثل بأحزاب سياسية عراقية من مختلف الشرائح والمكونات جل اهدافها سرقة الاموال ومقدرات البلاد . والنظام الاول والحكومات المتعاقبة جميعهم في واقع اجرامي ضد الشعب يحاسبهم الله سبحانه وتعالى حسابا عسيرا في الدنيا والاخرة . ان المشكلة العظمى والمعقدة هي انعدام الاهتمام بالمواطن العراقي وسلب حقوقه الطبيعية من قبل الحكومة العراقية والبرلمان , فالمسألة هذه هي العنصر الرئيسي الذي لا تتمكن الوسائل الاعلامية العراقية من مواجهته مهما كان لها من قوة افكار واقلام . ويقابل ذلك العنصر عدم وجود الشخصية الوطنية التي تنظر من منظار وطني بحت , فعلى مستوى العراق ظهرت فيه شخصية الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم , و المفكر الاسلامي عز الدين سليم وكلاهما تم اغتياله من قبل المخطط والمدبر نفسه (امريكا) على ايدي زمرتها من العملاء . وعلى المستوى العربي كان جمال عبد الناصر الذي اختطفته يد المنية قبل اكمال مشروعه الوطنية مثالا للوطنية . ان هذه الاسماء فلتات لا تتكرر في العالم العربي ,فمنذ سنة 1963ـ 2017لم نرَ شخصية واحدة تطابقهم لا في وطنيتهم ولا في افكارهم . ولكن في العالم العربي جمهورية مصر الشقيقة تحديدا تأصلت افكار الزعيم الوطني جمال عبد الناصر في ثلة كبيرة من الشعب المصري الذي لايزال الى اليوم يسير ببعض تلك الخطوات . وكل هذا يوحي الينا في العراق بأن المساحة الفارغة لا يمكن ان تمتلئ بدون الشخصية الوطنية التي تغذيها بالأفكار السليمة وتطبق الافعال على ساحة الواقع حينها تتحول الوسائل الاعلامية الى مصدر تثقيف للوطنية الخالصة متى ما حلت الشخصية المطلوبة التي تنظر الى جميع ابناء الشعب بنظرة الاب والاخ .